الجمعة، 16 سبتمبر 2011

المستقبل لكم


 بسم الله الرحمن الرحيم



من سلسلة حديث الثلاثاء

المستقبل لكم



المؤمن كلما عركته الأهوال، استبشر بتحقيق الآمال، وصمم على بلوغ غايته، ولزوم الطريق إلى نهايته ، تتوارد على شريط ذكرياته مسيرة دعوة أرسى قواعدها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وسقيت بمداد العلماء ، ودماء الشهداء، فواجهت نكبات أورثت انتصارات ، واعترضتها غُمم، ارتقت منها إلى القمم، وتلك طبيعة الحق ، يطرأ عليه كسوف لا غروب ، وتشوبه بعض الأخلاط ؛ ولكن لا يذوب ؛ لأنها مسيرة مكلوءة برعاية الله وعنايته ، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف: من الآية21) .
غاظه أني حنيف مسلم *** وهو لللذات واللهو تبع
فهو كالخفاش يبدو في الدجى *** فإذا ما أشرق الصبحٍ انقشع

فصاحب القلب العامر باليقين ، الموصول برب العالمين ، حين يرى سطوة المجرمين ، وعداءهم اللعين، وحقدهم الدفين، وحملتهم المسعورة لطي أعلام الدين، من تضييق وحصار، ومكر كُبَّار، وتخريب ودمار، وغطرسة واستكبار، يجزم المؤمن أن ذلك كله إلى تباب، وأن البغاة سيحيق بهم العذاب، وكتائب العقيدة ستجز لهم الرقاب، ليكونوا عبرة لأولي الألباب، (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(لأنفال:13،12).
فالبغي مهما طال عدوانه *** فالله من عدوانه أكبر

وإن إرهاصات الواقع من مقاومة تنتصر، وصحوة تزدهر، ودعوة في أوساط الشباب تسري وتنتشر، وكذلك شهادات مفكرين غربيين بأن الرأسمالية بدأت في الذبول ، وأميركا قريباً ستزول، والمرشح لقيادة البشرية هم أتباع الرسول، كل ذلك يرشح بمبشرات النصر، وأن العسر سيتبعه اليسر.
ستظل طائفة على إيمانها *** منصورة تبني اليقين الأكبرا
يا أمة الإسلام وجهك لم يزل *** بالرغم من ليل الكوارث مسفرا

إن أبناء الحركة الإسلامية هم طلائع الطائفة المنصورة، فصولتهم في ميادين الشرف والبطولة مشهورة، وبصمتهم في مجالات الخير مبرورة، وإن شابهم هفو وعثر، فتلك طبيعة البشر، ولو تتبعت الأثر لرأيت أطناناً من الخير شافعة، وصفحات من الطهر ناصعة
من ذا الذي ترجى سجاياه كلها *** كفى المرء نبلاً أن تُعدَّ معايبه


ولكن دأبنا في الحركة الإسلامية الارتقاء، والتسامي عن الزيغ والأخطاء، لنكون أهلاً لرفع اللواء، وإصلاح البشرية بشريعة الأنبياء، وهذا يلزمنا أن نخوض عراكاً حامياً مع الكسل، والجبن، والبخل، والأثرة، والأنانية، والفتور، والغرور، والكبر، والعجب، وكلها عناوين لشيء واحد هو الدنيا، فمتى احرزنا نصراً على الدنيا في ميدان النفوس، فمن اليسير أن نرغم الطواغيت وندوس لهم الرؤؤس، وإن حدث-والعياذ بالله- جنوح إلى الدنيا والوظائف والفلوس، فهذا -والله- خنجر في خاصرة النهوض مغروس ، وكم من مخلص وهبنا حباً ليس له حد ، ولما رأى بعض الدعاة يشتغلون بلجاجة الدنيا نأى عنا وند ، فويل لعبد عن سبيل الله صد .

إن سمت الدعاة أبلغ من اللسان المبلول، والكلام المعسول، وقد يجنح المسلم أحياناً في ساعة غفلة وضعف إلى الدنيا فيسيل لها لعابه، ويتناغم مع زخارفها خطابه، ولكن التربية الفذة التي اغترفها في رياض الدعوة كفيلة باستدراك رشيد، يصوب النية بعود حميد، فلما نزل قول الله تعالي عن أحداث غزوة أحد : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم )، فقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ( ما كنت أحسب أن أحداً من أصحاب رسول الله يريد الدنيا إلا عندما نزلت هذه الآية )، فالداعية اليقظ لا يتمادى مع رغبة مضلة، ولا يخلع لأمته لدنيا مذلة، ولا يصاب بهذا الداء وهو الطبيب لكل علة، ونحن في كل صلاة ندعو الله ألا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وإلا فالخلاف والشقاق، والتملق والنفاق، والكفران وسوء الأخلاق والعياذ بالله.

إن هذه الدعوة التي سقيت بدماء القادة العظام، والشهداء الكرام، لا يمكن أن تكون دكاناً لدنيوي طامع، أو مطية لمنتفع خانع، وشأنها في مسيرتها الوضاءة أن تلفظ خبثها لتجعله ركاماً، وتحبط هوى كل متسلق ليكون حطاماً، فلا تسمع حينها إلا أنفاس المخلصين، وحداء الزاهدين، وتسبيح العاملين، ولسوف تمضي هذه السفينة الواعدة حتى ترسو في جنات ونهر ومقعد صدق عند مليك مقتدر، لا يضيرها شغب مخالف، ولا شبهة فتان، والخاسر من ركن إلى هذه الدار ، وتغافل عن دار القرار، حتى فاته القطار، ومزق عمره في مخالفة هدى الأبرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق