بسم الله الرحمن الرحيم
من سلسلة حديث الثلاثاء
( من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف)
هكذا بلفظ مصقول محبوك، هو أثمن من الذهب المسبوك، يهتف أحد أعلام التربية والسلوك، وهو ابن الجوزي –رحمه الله- ليعلل بذلك نفوس السائرين في طريق إياك نعبد وإياك نستعين، فتتوقد عندهم الهمة وتثور الإرادة, كلما ذكروا ما ينتظرهم يوم الجزاء من سعادة، فلا تخبو لهم عزيمة ولا تفتر شكيمة، حتى إذا توانت النفس أو جنحت إلى خمول زجرها بسوط الترهيب، من عذاب قريب، ورغبها بلطائف الترغيب، في ما أعده الله في الجنة لكل عبد منيب، وإذا بها تجد في التعب لذة وحبوراً، وفي المشقة راحة و سروراً، يحدوها قول سمنون المحب:
لو قيل طأ في النار أعلم أنه *** رضا لك أو مدنٍ لنا من وصالك
لقدمت رجلي نحوها فوطأتها *** سروراً لأني قد خطرت ببالك
فعلَّة الراحة عند هؤلاء التعب، ويا بهجة قلوبهم إذا تصبب منهم العرق، وطال الأرق، وهم في طاعة خالقهم، وتحت نظر مولاهم، علموا أنهم في مقام مستعبد، فأبوا أن يلبسوا ثوب الراحة وهم في زمن الاستئجار
فعلَّة الراحة عند هؤلاء التعب، ويا بهجة قلوبهم إذا تصبب منهم العرق، وطال الأرق، وهم في طاعة خالقهم، وتحت نظر مولاهم، علموا أنهم في مقام مستعبد، فأبوا أن يلبسوا ثوب الراحة وهم في زمن الاستئجار
تعبوا قليلاً فاستراحوا دائماً *** يا لذة التوفيق للإنسان
أخي الحبيب: الأشياء كلها شجرة وأنت الثمرة، صورة وأنت المعنى، صدف وأنت الدر، لبن وأنت الزبدة، ولو عرفت قدر نفسك لما أهنتها بشهوة عابرة، فمن وجل من الإقدام، وأحجم عن الاقتحام، فقد قصَّر بنفسه عن المكارم، وجعلها كجوهرة في مضيعة، كم من ملك يسبح ولا يفتر وما حاز على رتبة ( تتجافى ) ، وكم من ملك مقرب يصوم ولا يفطر، لا طعام ولا منام وما حظي بوسام ( لخلوف )، فالله عز وجل قد هيأ لك داراً غرسها بيده، أيكون من شيم الكرام طلبها بثمن تافه؟ ! ( من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة )، فالنعيم لا يدرك بالتواني، والمعالي لا تُنال بالأماني، فمن رام اللؤلؤ زج بنفسه البحر، ودون العسل إبر النحل،
أخي الحبيب: الأشياء كلها شجرة وأنت الثمرة، صورة وأنت المعنى، صدف وأنت الدر، لبن وأنت الزبدة، ولو عرفت قدر نفسك لما أهنتها بشهوة عابرة، فمن وجل من الإقدام، وأحجم عن الاقتحام، فقد قصَّر بنفسه عن المكارم، وجعلها كجوهرة في مضيعة، كم من ملك يسبح ولا يفتر وما حاز على رتبة ( تتجافى ) ، وكم من ملك مقرب يصوم ولا يفطر، لا طعام ولا منام وما حظي بوسام ( لخلوف )، فالله عز وجل قد هيأ لك داراً غرسها بيده، أيكون من شيم الكرام طلبها بثمن تافه؟ ! ( من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة )، فالنعيم لا يدرك بالتواني، والمعالي لا تُنال بالأماني، فمن رام اللؤلؤ زج بنفسه البحر، ودون العسل إبر النحل،
تريدين إدراك المعالي رخيصة *** ولابد دون الشهد من إبر النحل
رجل من الصالحين نذر أن يختم القرآن ثلاثين ختمة كمهر لحورية من حور الجنة، فختم تسعاً وعشرين مرة ثم نام، فرأى في منامه حورية من حواري الجنة تركله بقدمها وتقول له:
أتخطب مثلي وعني تنام *** ونوم المحب عليه حرام
تهجَّد إلى الله وسط الظلام *** بقلبٍ حزينٍ ودمعٍ سجام
فمثلي تُزفُّ إلى عابدٍ *** كثيرِ الصيام طويلِ القيام
فمثلي تُزفُّ إلى عابدٍ *** كثيرِ الصيام طويلِ القيام
إن قدر السلعة بقدر المشتري والثمن الذي يدفع فيها وبقدر المنادي عليها، ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )، فإذا كان المشتري عظيماً والثمن جسيماً والمنادي كريماً كانت السلعة نفيسة.
ولا شك أن الصيام في الصيف فيه مشقة وعناء، حيث تذبل الأجساد من الحر، وتجف الحلوق من العطش، ولكن الأجر على قدر المشقة، فمن عضه الجوع في نهار صومه ذكرناه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : أديمي قرع الجنة، قالت: بم يا رسول الله؟، قال: بالجوع يا عائشة، ومن أنهكه العطش رطبنا فؤاده بخطاب الله تعالى للصائمين وهم في عرصات القيامة: ( يا عبادي: طالما نظرت إليكم في دار الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة، وخمصت بطونكم، وغارت أعينكم، فكونوا اليوم في نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية )، ومن لفحه حر الهجير وهو يؤدى صلاة التراويح، وتصبب عرقه عللناه بجنات ذات ظلال وعيون، أعدت لمن آثر تكاليف الدين على الهوى المهين، وكابد الحر الشديد ، بنية أن يأمن منه يوم الوعيد، ولذا صدح بها علي بن أبي طالب، أسد الله الغالب فقال: وأنا أحب من دنياكم ثلاثاً ، صيام الصيف وإكرام الضيف، وضرب أعناق المشركين بالسيف، فالمؤمن الحق الذي تذوق معنى المحبة يبتهج كلما واجه في العبادة شدة، ِموقناً أن عمره كله نهار صوم، وأن للصبر على الطاعة حلاوة تبين في العواقب، وسياسة المحبين أن خوف العقاب يوجب ترك المشتهى، ورجاء الثواب يكلف بلوغ المنتهى.
إن الجندي قد يقف الساعات الطوال كأنه صنم أو وتد، لا تتحرك فيه شعرة، ولا يغمض له جفن، حتى كأنه جماد لا روح فيه، وذلك مقابل أن يرضى عنه من يعلوه رتبة ومقاماً، ومحصلة ذلك راتب شهري منزوع البركة لا يكاد يسد رمق عياله، أعجزنا أن نجتهد بعض ذاك الجهد مهراً لجنة عرضها السموات والأرض؟!
إن السير في الطريق صعب،والدرب مليء بالمكاره، ولكن شجر المكاره يثمر المكارم، وإذا استقام للجواد الشوط لم يحوج راكبه إلى السوط، فليكن شعارك في صفقتك الرابحة مع الله :
ولا شك أن الصيام في الصيف فيه مشقة وعناء، حيث تذبل الأجساد من الحر، وتجف الحلوق من العطش، ولكن الأجر على قدر المشقة، فمن عضه الجوع في نهار صومه ذكرناه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : أديمي قرع الجنة، قالت: بم يا رسول الله؟، قال: بالجوع يا عائشة، ومن أنهكه العطش رطبنا فؤاده بخطاب الله تعالى للصائمين وهم في عرصات القيامة: ( يا عبادي: طالما نظرت إليكم في دار الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة، وخمصت بطونكم، وغارت أعينكم، فكونوا اليوم في نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية )، ومن لفحه حر الهجير وهو يؤدى صلاة التراويح، وتصبب عرقه عللناه بجنات ذات ظلال وعيون، أعدت لمن آثر تكاليف الدين على الهوى المهين، وكابد الحر الشديد ، بنية أن يأمن منه يوم الوعيد، ولذا صدح بها علي بن أبي طالب، أسد الله الغالب فقال: وأنا أحب من دنياكم ثلاثاً ، صيام الصيف وإكرام الضيف، وضرب أعناق المشركين بالسيف، فالمؤمن الحق الذي تذوق معنى المحبة يبتهج كلما واجه في العبادة شدة، ِموقناً أن عمره كله نهار صوم، وأن للصبر على الطاعة حلاوة تبين في العواقب، وسياسة المحبين أن خوف العقاب يوجب ترك المشتهى، ورجاء الثواب يكلف بلوغ المنتهى.
إن الجندي قد يقف الساعات الطوال كأنه صنم أو وتد، لا تتحرك فيه شعرة، ولا يغمض له جفن، حتى كأنه جماد لا روح فيه، وذلك مقابل أن يرضى عنه من يعلوه رتبة ومقاماً، ومحصلة ذلك راتب شهري منزوع البركة لا يكاد يسد رمق عياله، أعجزنا أن نجتهد بعض ذاك الجهد مهراً لجنة عرضها السموات والأرض؟!
إن السير في الطريق صعب،والدرب مليء بالمكاره، ولكن شجر المكاره يثمر المكارم، وإذا استقام للجواد الشوط لم يحوج راكبه إلى السوط، فليكن شعارك في صفقتك الرابحة مع الله :
إذا اشتغل اللاهون عنك بشغلهم *** جعلت اشتغالي فيك يا منتهى شغلي
لقد قيل لبعض المجتهدين في الطاعة: لم تعذب هذا الجسد؟ فقال: كرامته أريد، وقيل لبعض العباد: ارفق بنفسك، فقال: الرفق أطلب، أو من الرفق أتيت، وثالث يقول: لعل تهذيبي في تعذيبي، لقد جدوا في المسير، وما ألقوا عصا السير عن عواتقهم حتى بدت لهم أعلام دورهم وخيامهم، فما العز إلا تحت ثوب الكد، ومن جد وجد، وليس من سهر كمن رقد، والدر في قاع اليم، ومن لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه، فسلع المعالي غاليات، وإنما ثمنها اتباع مدارس السلف
لقد قيل لبعض المجتهدين في الطاعة: لم تعذب هذا الجسد؟ فقال: كرامته أريد، وقيل لبعض العباد: ارفق بنفسك، فقال: الرفق أطلب، أو من الرفق أتيت، وثالث يقول: لعل تهذيبي في تعذيبي، لقد جدوا في المسير، وما ألقوا عصا السير عن عواتقهم حتى بدت لهم أعلام دورهم وخيامهم، فما العز إلا تحت ثوب الكد، ومن جد وجد، وليس من سهر كمن رقد، والدر في قاع اليم، ومن لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه، فسلع المعالي غاليات، وإنما ثمنها اتباع مدارس السلف
عند الصباح يحمد القوم السرى *** وتنجلي عنهم غيابات الكرى
إذا سولت لك نفسك التواني والكسل، وحنَّت إلى الرقاد والغفلة، وولعت باللذاذة والشهوة، وناشدتك: تفرغ قليلاً لتستجم، فاقرع سمعها بهتاف عمر بن عبد العزيز: ( وأين الفراغ؟ ذهب الفراغ لا فراغ إلا عند الله، ولا مستراح للعبد إلا تحت طوبى )، كن ممن عناهم البنا –رحمه الله- بقوله: ( لقد سهرت عيونهم والناس نيام، وشغلت نفوسهم والخليَّون هُجَّع ).أخي الحبيب: إذا أردت الجنة فاحذر مزاحمة الناس في أسواق الهوى، وفر من حصار الديار إلى فضاء العز في صحراء التقوى، وانصب خيمة الجد في ساحة المجد، وها هو ابن القيم ينصب لك شارة عليها هذا التنبيه لكل سالك وراق: ( إن الكرامات والملذات والخيرات لا تنال إلا بحظ من المشقة )
أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعاً ونحن قعود ما الذي أنت صانع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق