الجمعة، 16 سبتمبر 2011

أقبل الحصاد فأين المشمرون

بسم الله الرحمن الرحيم




من سلسلة حديث الثلاثاء



أقبل الحصاد فأين المشمرون



حمداً لله تعالى على وافر نعمه، ومترادف جوده وكرمه، له في أيام دهرنا نفحات، من تعرض لها نال أعلى الدرجات، والصلاة والسلام على الهادي البشير، والسراج المنير، هو خير من صام وقام، وعبد وحمد، وشكر وذكر، وعلى أله وأصحابه مفاتيح الحِكَم ومصابيح الظُلَم وبعد:

يا أبناء دعوتنا الشماء:

عما قريب نتفيؤ ظلال خير الشهور، ويهلُّ علينا موسم الأجور، حيث بيوت الله بالنفحات مغمورة، وبالعباد معمورة، قد أسرجت المصابيح، وأقيمت التراويح، وفتحت أبواب الجنان، وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين، وصفت قلوب المؤمنين.
إنه شهر رمضان، شهر القبول والسعود، والعتق والجود، فيه تزكو الأرواح، وتتضاعف الأرباح، وتغفر الزلات،وتنزل الرحمات، وتزيد البركات، من طرد فيه عن الباب فهو المحزون، ومن حرم فيه الثواب فهو الخاسر المغبون، اشتهرت بفضله الأخبار، وتواترت فيه الآثار، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنان، وغلِّقت أبواب النيران، وصفِّدت الشياطين، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة"، وروى أبو هريرة –رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وفي هذا الشهر ليلة هي خير من ألف شهر، من أدركها غفرت ذنوبه، وتحقق مطلوبه، فما أعظمه من شهر! لا تحصى خيراته، ولا تستقصى ثمراته

شهرٌ يفوقُ على الشهور بليلةٍ مِن ألف شهرٍ فُضِّلت تفضيلا
طوبى لعبدٍ صحَّ فيه صيامــــه ودعا المهيمن بكرةً وأصيلا
وبليلــه قد قام يختـــــــم ورده مُتبتِّلاً لإلـــــــهه تبتيـــــــــلا

يا عشاق الجنة :

إن الكيِّس من أتقن الإعداد والتخطيط، ونأى عن التقاعس والتفريط، وجدَّ المسير وأحسن الغراس، لينجو من سياط الندم وسطوات الإفلاس
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ندمت على التفريط في زمن الغرس
وحتى نحقق المراد، ونحسن الزاد، فلابد من استقبال هذا الشهر بجملة أمور، للظفر بتجارة لا تبور:
أولها: التوبة والندم والاستغفار، ليحط الله عنا الأوزار، فالتخلية تسبق التحلية، ولما سئل ابن تيمية : أيهما أفضل، الاستغفار أم التسبيح؟ قال: إذا كان الثوب نظيفاً فالبخور أفضل له من الصابون، وإذا كان الثوب متسخاً فالصابون أفضل له من البخور، وقد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر" ، وباب التوبة مفتوح، والرجوع إلى الله مسموح، ورحمات الله في هذا الشهر تغدو وتروح، والله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ومن صحت توبته بُدِّلت سيئاته إلى حسنات، فالمعاصي سم والتوبة ترياقه، فبادر قبل أن تغادر، وعجل بالتوبة، وسارع بالأوبة، حتى يغفر الله لك الحوبة، ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى)، وكم نحن في حاجة إلى هذه التوبة ونحن في حصار شديد، يتآمر علينا القريب والبعيد، إذ إن التوبة قوة كما قال تعالى: ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم)، بل هي درع المجاهد في الأزمات، وحصنه في النكبات،كما قال الفضيل بن عياض يوصي الجيش: ( عليكم بالتوبة فإنها ترد عنكم ما لا ترده السيوف)
ثانيها: الجد والمثابرة والتعب والسباق، فالأيام معدودة، والفرصة محدودة، وما الشهر إلا سوق يقام ثم ينفض، والخاسر على أصابعه يعض، فدونك القيام والصيام، والقرآن والإحسان، والدعاء والرجاء، والخشوع والخضوع، وإياك من ضياع الوقت، فإنه من علامات المقت، واعلم أن رمضان مدرسة تتعود فيها على المداومة على الصلوات، وإدراك الجماعات، وتقتبس منه شحنات إيمانية تهبك النشاط على الدوام طوال العام، والأمة المجاهدة حتى تحمل الأثقال، وتكابد في سبيل الله الأهوال، لابد وأن تتسلح بصالح الأعمال، ولله در أبي الدرداء وهو يوصي المجاهدين: ( عمل صالح قبل الغزو فإنما تقاتلون بأعمالكم)، فلنعد لدعوتنا ربانيتها، بخشوع المحراب، وقرع الباب، والتزلف للكريم الوهاب، فهذا سمتنا الوهاج، المبرأ من كل زيغ واعوجاج، وبهذا يجب أن يعرفنا الناس، فنكون قرآئين تمشي على الأرض، نكثر من النوافل بعد القيام بالفرض، وفي كل ميدان للخير نترك لنا بصمة، ومن المسالك الشائنة نبقى في أمان وعصمة.
إنما المؤمن من إن خرق الثوب رفا وعن التقصير والأثام خوفاً عزفا
عفوك اللهم ربي أنت حسبي وكفى
ثالثها: الدعوة إلى الله فهي كما قال ابن القيم ( أسمى مقامات العبد)، ومن أراد المنزلة القصوي في الجنة فعليه أن يكون في المنزلة القصوى في الدنيا، وكما قال عبد القادر الكيلاني : إن الفائز من اختاره الله وجعله جهبذاً وداعياً للعباد ونذيراً لهم، وحجة فيهم، هادياً مهدياً، فهذه هي الغاية القصوى في بني آدم لا منزلة تفوقها إلا منزلة النبوة)، فإذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك، وما أحسن أن يبادر كل أخ في الصف بترتيب البيت، وسد الخلل، ومعالجة العلل، وهجر الخمول والملل، والعزم الأكيد على الهمة والعمل،ولنبدأ بنظم الأسر، وتفعيل محاضن التربية، فإنك إن لزمت الاستدراك، فذاك فضل خصك الله به وحباك، ثم يكون اقتناص التائبين الفارين من سلاسل الشيطان، اللائذين بالرحمن، كي نأخذ بأيديهم إلى شاطئ النجاة، ونجندهم في حقل الدعاة، والأمر عليك يسير، لأن الشيطان في هذا الشهر مغلول كسير، والنفوس أقرب إلى الصفاء، وأبعد عن الشحناء، والميدان خصب لمن بذر وزرع، وويل لعبد رقد في المواسم وهجع، ووسائلك سهلة ميسورة، لأنك صاحب دعوة منصورة، وفكرة مبرورة، فشمر وكن في الصدارة، ونظِّر لفكرتك بأرق عبارة، وألطف زيارة، واعلم أن الدعوة بالأخلاق أبلغ من الدعوة بالأوراق، وهي بالصفات لا بالكلمات، وإن الألحاظ أغنى من الألفاظ، فحال رجل في ألف رجل أبلغ من مقال ألف رجل في رجل، والداعية المهموم الذي اكتوى بسطوة الباطل، وعربدة الجاهلية هو الذي يغتم، وينتفض من رقدته وبأرباب العزم يأتم، كي يرمم ما اندثر، ويترك وراءه أعظم الأثر:

وقائلة غيرتك الهمـــــــوم وأمرك ممتثل في الأمم
فقلت ذريني على غصتي فإن الهموم بقدر الهمم

فالبدار البدار قبل ذهاب المواسم والأعمار، فغداً حين ينقشع الغبار، وينكشف الستار، ونُعرض على العزيز الغفار، يعرف كلٌ منا أعلى فرس كان يركب أم على حمار؟!، فلنستعذ بالله من تمزيق الأعمار في مخالفة هدى الأبرار، ولنلزم أنفسنا ومن نستطيع التأثير فيهم من العوام بالمحافظة على جميع الصلوات جماعة في المسجد، والحرص على صلاة التراويح والتجوال اليومي في كتاب الله تعالى، مع الإكثار من الزيارات الدعوية وتحقيق التكافل الاجتماعي، وسد حاجات الفقراء والمساكين، ولنجعل العشر الأواخر لإحياء سنة الاعتكاف في المساجد عسانا نشرف بليلة هي خير من ألف شهر، فبقدر ما تجاهد تشاهد.

اللهم بلغنا رمضان ومنَّ علينا فيه بالغفران، وعاملنا بالإحسان، وتقبل فيه أعمالنا، وهذب أقوالنا، وحسن أحوالنا، وحقق آمالنا




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق